ابتسمت له وهي تدخل الغرفه ..... ابتسامه خرجت من قلبها هذه المره ....
عكس المرات السابقه .... كانت تبتسم من وراء قلبها .... لقد بدأ هذا الرجل في أواخر الاربعينات او اوئل الخمسينات يدخل قلبها تدريجيا ....
-صباح الخير ... كيف اصبحت اليوم ؟
-الحمدلله ....
-هل ترغب في تناول بعض القهوه .....
لم تنتظر جوابه ، وابتدأت فعلا تملأ آلة صنع القهوة بالماء ...
اتجهت نحو ستائر الغرفة المعدنية ... وفتحتها لتنسل اشعة الشمس بلا استئذان تداعب شعرها لتضفي عليه لونا ذهبيا براقا ....كانت مثيرة الى ابعد الحدود
-رجاء .... اغلقي السائر ؟؟
-لماذا ... هل يوجد احد يرفض شعاع الشمس الدافئ ... ؟
-نعم ... انه انا ... لم اعتد على الشمس ... امضيت معظم فترات حياتي بدون ضوء ... رجاء ان النور يزعجني ...
على مضض اغلقت الستائر ... وعادت اليه وبيدها فنجانين من القهوة .....
-كم ملعقة تريد من السكر ....
-لا اريد سكر ابدا ... لم اعتد على الطعم الحلو ....
-اذن قل لي ... ماذا حدث معك ....
-لا شيئ .....
-لماذا اسالك باستمرار ولا تجيب ..
-لم اتعود على الكلام.... اغلب فترات حياتي كانت صامته ...
لقد احتارت مع هذه الشخصية الغريبه ....
منذ اسبوعين ... وهي ترتدي اجمل ما عندها .. وتضع اغلى وازكى عطورها ... تقابله بالابتسام وتودعه بالابتسام ... ماذا يريد اكثر من هذا ...
بداية اتت اليه لان واجبها وعملها يتطلب ذلك ، لكنه فتح قلبها ودخله بدون استئذان
ما الذي اعجبها فيه ... تسال نفسها وهي تمسك فنجانها بشفتيها الرقيقتين والكفيلتين باذابة اكثر الرجال صلابة ، لكن هذا ... هو من نوع آخر ... هل اعجبت بوسامته .. ام بالحزن الدفين وراء عينيه
تنظر اليه نظرة ذات مغزى ... ودخان سيجارته هو الوحيد الحائل بينهما ....
-اسمع ... انا هنا من اجلك ... من اجل مساعدتك .. اريد ان تساعدني لاساعدك ..
-ومن قال لك اني اريد مساعدة نفسي ... انا راض هكذا
-اتذكر بالامس عندما قمت وحركت المنضده فسقطت القهوة على ملابسك ... قالتها لتلطيف الجو وضحكت ضحكة فيها قليل من الوقاحه ... قد يتحرك شيئ ما فيه ...
-نعم ......
-فقط نعم ... الا يستحق الامر ابتسامة ولو مجاملة لي ..
-آسف ... لم اعتد كثيرا على الضحك .. ولا على الابتسام ... حياتي كانت شبه خاليه من هذه الامور .
قامت بعصبية ... تجولت قليلا في الغرفة المظلمة كما يحب هو ... رات مجموعة من الكتب من بينها كتاب يبدوا انه مزق بعصبية ... امسكته ونظرت اليه .... عنوانه " شرق المتوسط " للكاتب غسان كنفاني .
الا تريد التحدث .... اذن يبدو ان زيارتي اليوم كانت تضييعا للوقت ...
ساعود الاسبوع القادم ... ان لم يكن عندك مانع وارجو ان تكون بحال افضل حتى نستطيع اكمال ما بدأناه او بالاحرى اكمال ما لم نبدأه لغاية الآن ...
تخرج وهو يرمقها بنظره فيها اشفاق ... وحنان ...
يتمنى ان يساعدها ولكنه لا يستطيع .... أشياء كثيره ماتت في داخله ..
لم يعد يعرف احدا ... بل انه لم يعد يعرف نفسه ....
عادت اليه بعد اسبوع .... تعمدت ان لا تتصل به خلاله ....
هو لا ياتي اليها في الموعد .... فلتذهب هي اليه ...
وجدت بيته فارغا ... لا يوجد أحد ... سالت الجيران ....
-لقد توفي بالامس .... جرعة زائدة من الكحول ....
-يا الهي ....
اصابها ذهول ... كادت ان تسقط من هول الصدمه ... سالت من عينها دمعه ولكنها ادركت شيئا ومسحتها .......
هرعت بكل ما اوتيت من سرعة الى المقبره ... وجدت قبره ... يقف بجانبه رجل وحيد يبكي ...
-لا تبكي يا سيد ... لا تبكي .. انه سعيد هناك .. لقد ذهب الى المكان الذي يحبه انه القبر حيث لا ضوء ولا دفئ ولا ضحك وحيث الصمت الرهيب ... انه يحب المكان بالضبط كما هو .. لا تبك فهو الآن سعيد . لكن من انت ؟
-صديق ... وانتي ... ؟
-انا معالجته النفسيه .... عرفته منذ خرج من معتقله ...
-وهل كان معتقلا ...
-نعم .... لقد كان سجينا سياسيا ...